من عادة القاضي الشرعي
ومن عادة القاضي الشرعي أنه يحتسب راحة الناس بقطع النزاع عنهم، فمتى تبين له الحق وأسفر له صبحه حكم به بدون تأخير وبدون أن يأخذه في الحكم به لومة لائم. وعليه مراعاة تقوى الله فيما تولاه، وأن لا يطمع شريف في حيفه وجوره ولا ييأس ضعيف من عدله، ويخلد كل قضية في السجل لحفظها والرجوع لها وقت الحاجة إليها.
ومن عادة القاضي الشرعي أنه لا يأخذ على قضائه أجرًا إلا ما جُعِل له من بيت المال، ولا ينبغي أن يمنعه قضاؤه وحكمه بالأمس متى تبين له خطؤه، وأن الحق في خلافه أن يرجع عنه، ويستأنف الحكم من جديد فيعطي صاحب الحق حقه حتى ولو بعد حلف المحكوم له، فإن اليمين لا تزيل الحق عن مستحقه، وإنما تقطع النزاع في وقته، بخلاف نظم محاكم القوانين الوضعية، فإنها مؤسسة على تطويل الدعوى وتمديدها بين نقض وإبرام وحكم واستئناف، وقد دخل فيها المحامون الذين يصنعون الدعاوى ويحبون أن تتصل الخصومة ولا تنفصم. وعلى إثر هذا التعليل والتمليل وصرف المال في سبيل اتصال الدعوى سئم الناس منها واشتد بغضهم لها وصار صاحب الحق يتخلى عن حقه الواضح استبقاء لراحته وتوفير ماليته"